رحم الله والدي فقد كان سخيا معنا طول حياته، كان يمنحني أنا وإخوتي ربع ريال يوميا مصاريف الفسحة الدراسية، في ثمانينيات القرن الهجري الماضي، ذلك الرٌبع له صولات وجولات في عالم التوفير، لم أكن أوفر منه شيئا رغم أن رغيف التميس وبراد الشاهي أبو أربع، كناية عن استيعابه أربعة فناجيل بادريق صغيرة الحجم، كانت بنفس القيمة.
حدث عظيم ذلك اليوم أن وجدت مسنا فلسطينيا يبيع حلوى "البسبوسة" عرفت اسمها منه، في شرقي مدرسة مسلمة بن عبد الملك، مجتمعنا القروي لم يكن يعرف تلك الحلوى ولا غيرها سوى حلوى يصنعنها سيدات المدينة تسمى "تطلي".
منحني ذلك الشيخ بربع ريال قطعة البسبوسة والتي كانت في حجم كف طفل صغير، تناولتها منه ووضعتها في حقيبة الدراسة والتي كانت عبارة عن قطعة قماش خلق يبدو أن أمي رحمهما الله جلبته من عند جارتنا وابدعت في صنعها.
كان عدد الطلاب كثيفا في الفصل الرابع والخوف يزداد من أن يشم أو يعرف أحدا منهم ما في مخلاتي من حلوى، بدأت في التلذذ بها منذ دخولي الفصل وحتى صافرة الفسحة، لم يكن لدي وقت لاستيعاب الدروس ولا التفاعل مع المعلمين، الهدف التهام الحلوى والاستمتاع بها أكبر وقت ممكن.
عادت بي الذاكرة لذاك الوقت، وذاك العوز والفاقة وابنتي "أكنان" تضع أمامي بعض الحلوى التي صنعتها للتو ومن ضمنها البسبوسة.
للأمانة نحن الآن في رغد وفير من العيش الكريم فله الحمد والمنة